وفتح مكة عنوة على التحقيق، وظفر بهم، وسمُّوا الطلقاء، وأعْطَى عَهْداً لمنْ أراد منهم أن يتربَّص كصفْوان بن أميَّة ومَنْ فِي مَعْنَاه. وهذا معنى قوله: {إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ}.

{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} ويدخل في المتقين دخولاً أوَّلِيّاً: الذين لا ينقضون العهود ويوفون بالعهود؛ لأن الوفاء بالعهد وعدم نقضه ونكثه من تقوى الله (جلّ وعلا)، والمتصف بالتقوى يحبّه الله. وهذا معنى قوله: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}.

{كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8)} [التوبة: آية 8].

هذا تأكيدٌ بعد تأكيد؛ لأن حكم الله بنبذ العهود إلى الكفار أمرٌ في غاية الإحكام والصواب واقعٌ في موقعه، موضوعٌ في موضعه، والفعل هنا محذوف دلَّ ما قبله عليه (?). أي: كيف يكون لهم عهدٌ عند الله وعند رسوله وحالهم أنهم {إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ} أي: إن يغلبوكم ويقهروكم ويجدوا فرصة يهينونكم بها لا يراعون فيكم العهود ولا الذمم، ولا يراعون شيئاً، بل يقتلونكم، فمن كانوا بهذه المثابة مِنَ الغَدْرِ والمَكْرِ والخِيَانَةِ وسوء الطوايا والنيات، نَبْذ عُهُودِهِمْ إلَيْهِمْ هو أمْرٌ في غاية الحكمة والإصابة. وهذا معنى قوله: {كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا} كيف يكون لهم -للمشركين- عهد والحال أنهم إن يظهروا، وقد عُلِمَ من اللغة العربية أن العرب رُبَّما تحذف الفعل بعد (كيف) إذا تقدم ما يدلّ عليه؛ لأن (كيف) هنا حُذف بعدها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015