وأطلق على اسم الحرم «المسجد الحرام»؛ لأنَّهُ مِنْ أهم أجْزَائِهِ، وهو أسلوبٌ عربي معروف (?)، ومن إطلاق المسجد الحرام على جميع الحرم: {وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} [البقرة: آية 191] أي: لا تقاتلوهم في جميع الحرم؛ ولأجل هذه الإطلاقات سيأتيكم أن قوله: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [التوبة: آية 28] أنَّ المراد به لا يقربوا الحرم كلَّه بعد هذا العام. وهذا معنى قوله: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ} في صلح الحديبية {عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}.
{فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ} (ما) مصدرية ظرفية، وهي منصوبة بـ «استقيموا» (?)، أي: استقيموا لهم وأوفوا لهم بالعهد إلى تمام مُدَّتِهِمْ في جميع المدة التي استقاموا فيها لكم، ولا تبدؤوهم بنقض العهد. وهذا معنى قوله: {فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ} كما تقدم في قوله: {فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} [التوبة: آية 4] هذا معنى قوله: {فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ}. والذين قالوا: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي قُرَيْش (?). يظهر أَنَّ قَوْلَهُمْ خِلاف التحقيق؛ لأن قريشاً نقضوا العهد وحاربهم النبي صلى الله عليه وسلم في فَتْحِ مَكَّةَ قَبْلَ نُزُولِ هذه الآيات مِنْ بَرَاءَة؛ لأنها نزلت عام تسع، وأرسل النبي بها عليَّ بن أبي طالب (رضي الله عنه) بعد أبي بكر ينادي بها في الموسم عام تسع. وفي ذلك الوقت أهل مكة قد نقضوا قبل هذا بزمان، وغزاهم النبي صلى الله عليه وسلم