بعينه كلامُ الله، فالصوت صوت القارئ، والكلام كلام البارئ؛ لأن الله صرَّح بأن هذا المشرك المستجير يسمع كلام الله يتلوه عليه نبي الله صلى الله عليه وسلم. فهذا المحفوظ في الصدور، المقروء في الألسنة، المكتوب في المصاحف، هو كلام الله (جَلّ وعلا) بمعانيه وألفاظه. ولا شَكَّ أن أصل الكلام صفة الله (جَلَّ وعلا).

ونحن لا نحب إكثار الخوض فيه؛ لأن هذه الصفة هي منشأ البلايا والمحن (?)، ولكن نقول: إن الكلام صفة الله التي لم يزل متصفاً بها، فلم يتجرد يوماً عن كونه متكلماً، فالكلام صفته المتَّصِف بها أزلاً لم يَتَجَرَّدْ، ومَعَ كَوْنِهِ مُتَكَلِّماً فهو في كل وقت يَتَكَلَّمُ بِمَا شاء كيف شاء، على الوجه اللائق بِكَمَالِهِ وجَلالِهِ، فَكَلامُهُ صفته ليس بمخلوق.

وقد أشرنا -مراراً- إلى المحنة التي ابْتَلَى اللهُ بِهَا المسْلِمِينَ في أيام الدولة العباسية بالامتحان بالقول بخلْقِ القُرْآنِ؛ لأَنَّ مِحْنَةَ القول بخلق القرآن نَشَأَتْ فِي أيَّامِ المَأْمُونِ، ولم تزل في أيام المأمون حتى مات، واستفحلت في أيام المعتصم واستحكمت، وفي أيامه ضُرِب سيد المسلمين في زمانه أحمد بن حنبل (رضي الله عنه وأرضاه)، يُضرب حتى يُرفع من محل الضرب لا يعرف ليلاً من نهار، إذا أفاق قالوا له: قل: القرآن مخلوق. فيقول: لا، القرآن كلام الله، منه بدأ وإليه يعود. وكذلك مضى زمن الواثق والمحنة قائمة على ساق وقدم، وقد أزالها الله على يد المتوكل غفر الله له وعفا عنه؛ لأن محنة القول بخلق القرآن أزالها المتوكل على الله بعد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015