{مِّنَ اللَّهِ} هي المعروفة بابتداء الغاية، أي: ابتداء هذه الغاية ومنشؤها كائن من الله. ومعنى براءة الله منهم: أنه (جلّ وعلا) برئت ذمته من عهودهم فلا يلتزم لهم عهداً ولا ذمة؛ لأنهم نقضوا العهود أو كادوا.
واعلم أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لما غَزَا غَزْوَةَ تبوك كان المنافقون يرجفون أراجيف كثيرة، فسمع بها الكفار فأرادوا نقض العهود وتَغَيَّرُوا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كانت بَيْنَهُ وبَيْنَ بَعْضِ القبائل عهود ومواثيق، مصالحات ومهادنات، فلما سمع الكفار بأراجيف المنافقين نقض بعضهم، وبعضهم خيف منه النقض، فأنزل الله براءته من جميع الكفار إلا ما سيأتي استثناؤه إن شاء الله.
واعلم أن الكفار أقسام (?): منهم من كان له عهد مؤجل بأجل، وهؤلاء قسمان: من عهده أقل من أربعة أشهر، ومن عهده أكثر من أربعة أشهر. ومنهم من لا عهد له أصلاً، ومن له عهد مطلق لم يُقَيَّد بِزَمَنٍ مُعَيَّن، فهذه فرق الكفار، وهذه الآية تَضَمَّنَتْ نَقْضَ العهود في هذه كلها إلا في صورة واحدة على التحقيق.
أما من كان له عهد إلى مدة أقَلّ مِنْ أرْبَعَةِ أشْهُرٍ فالتَّحْقِيقُ عند جمهور العلماء أنه يرفع عهده إلى أربعة أشهر ثم بعد الأربعة أشهر هو حرب لله ولرسوله، ومن كان له عهد مطلق فله أربعة أشهر يسيح فيها ويذهب في الأرض مقبلاً ومدبراً آمناً، ثم بعد انتهاء تلك الأربعة الأشهر هو حرب لله ولرسوله.
ومن لم يكن عنده عهد أصلاً فقال بعض العلماء: له هذه الأربعة الأشهر. وهذا أظهر القولين، بناء على أن قوله: {فَإِذَا انسَلَخَ