وإذا تركوها كلها -تركوا النافع منها والضار- بقوا ولم يلحقوا، وبقوا مستضعفين، وإذا أخذوا ضارها دون نافعها فهم قوم مجانين، هم حمقى لا عقول لهم، وإن أخذوا النافع وتركوا الضار فهذا هو الأمر الطبيعي لكل عاقل.
والمؤسف كل الأسف أنّ غالب من يتسمّى باسم الثقافة والحضارة والتمدُّن لا يأخذ منهم إلا القشور المهلكة، والسموم الفاتكة، من الانحطاط الخُلُقِي، والتمرُّد على نظام السماء، والتنكر لخالق هذا الكون، في الوقت الذي لا يستفيد فيه من مائها الزلال - الذي هو قوّتها- شيئاً!! وهذه مسألة مَعْكُوسَة جمع صاحبها بين الكفر والإفلاس.
مَا أحْسَنَ الدِّينَ والدُّنْيَا إِذَا اجْتَمَعَا ... وَأَقْبَحَ الكُفْرَ والإِفْلاسَ بِالرَّجُلِ (?)
وإذا كان ربنا يقول في هذا المحكم المنزّل آخر الكتب السماوية عهداً برب العالمين: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} [الأنفال: الآية 60] مهما تطوّرت القوّة، ومهما بلغت كائنة ما كانت {وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ} كان وقت نزولها أقوى القوة وأعظم العدة الخيل وما جرى مجراها من الرَّمْيِ، وقد ثبت في صحيح مسلم عن عقبة بن عامر الجهني (رضي الله عنه) أنه سمع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول: «{وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} أَلاَ إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ، أَلاَ إِنَّ القُوَّةَ الرَّمْيُ». كرّرها ثلاثاً (?)؛ لأن الرَّمْيَ فِي ذَلِكَ الوقت إعداد الخيل والسّيوف هذا هو أقوى القوّة