ونضرب لهذا مثلا (?): لأنك مثلاً أيها الإنسان إذا وجَدْتَ إناء فيه ماء زلالٌ وإناء فيه سم قاتل وأنت خارج من العمران في فلاة بعيدة شاسعة، فحالك لا يخلو من أربعة أحوال: إما أن تشرب الماء والسم معاً، وإما أن تتركهما معاً، وإما أن تشرب السم وتترك الماء، وإما أن تشرب الماء وتترك السم. فافرض مثلاً أنك وجدت ماءً زلالاً وسمّاً فاتكاً قتالاً في موضع واحد، وأنت في فلاة معطشة بعيد جدّاً من العمران، فلك مع هذا أربع حالات: إما أن تشربهما معاً، وإما أن تتركهما معاً، وإما أن تشرب السم وتترك الماء، وإما أن تشرب الماء وتترك السم، ولا خامسة البتة. وهذا تقسيم صحيح، فنرجع لهذا التقسيم الصحيح بالسبر الصحيح فنقول: إذا شربتهما معاً لم ينفعك الماء؛ لأن السم الفتاك يقتلك ويقضي عليك، وإن تركتهما معاً هلكت، ولم تبلغ العمران، ولم تلتحق بالرَّكْب، وإن أخذت السم وتركت الماء فأنت مجنون أهوج أحمق؛ حيث أخذت ما يضرك وتركت ما ينفعك!! وان كنت عاقلاً يصدق عليك مطلق اسم العاقل أخذت الماء وتركت عنك السم. وهذا مثال لما جاءت به الحضارة الغربية، فإن ما أحدثوه من القُوَّةِ المادِّيّة وأنواع التنظيمات في جميع ميادين الحياة هو ماء زلال

[8/أ] فيحتاج له جدّاً لا بد منه/ في تطور هذه الحياة الراهنة حسب ما تطورت إليه من الأوضاع، وفيها سم قاتل فتاك لا شك فيه، وهو ما جنته من الكفر والانحطاط الخلقي، والتَّمَرُّد على نظام السَّمَاءِ، ومُعَادَاةِ خالق السماوات والأرض. فالموقف الطبيعي للمسلمين في الأوضاع الراهنة أن يتأملوا فإذا أخذوها كلها بنافعها وضارها أهلكهم ضارُّهَا ولم ينتفعوا بالأنفع،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015