تأديبك لي ليس واقعاً في موقعه؛ لأن صيغة (افعل) في قولك: «اسقني» لم تلزمني ولم توجب علي!! فَكُلّ مَنْ يَعْرِف معنى اللسان العربي يقولون له: صيغة الأمر ألزمتك وأوجبت عليك، ولكنك عصيت وخالفت.
ومرادنا بهذا: أن هذا أمر خالق السماوات والأرض، أمْرُ رَبِّ العَالَمِين بإعداد القوة التي يمكن أن تحصل في الاستطاعة، هذا الأمر واجب، وتضييعه حرام لا شك فيه، وبذلك يعلم أن تواكل من يُسَمَّوْنَ باسم المسلمين في أقطار الدنيا، وعدم سَعْيِهِمْ في إعداد القوَّة الكَافِيَة لِقَمْعِ العَدُوّ أنه تَمَرُّدٌ على نظام السَّمَاءِ، وعدم عمل بإرشادات خَالِقِ هَذا الكَوْنِ -جل وعلا- وامتثال أوامره، فالله (جل وعلا) في هذه السورة الكريمة وغيرها من سور القرآن رَسَمَ الطَّرِيقَ وبَيَّنَ للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه الطريق التي إذا فعلوها وساروا عليها كانت كفيلة بنصرهم، وذل أعدائهم، وقمع كلمة الكفر وإذلاله؛ لأنه هنا أمر بإعداد القوة التي يمكن أن تدخل تحت الاستطاعة كائنة ما كانت، تطورت القوة مهما تطورت، وانتقلت من حال إلى أي حال، فالآية تساير التطور بدلالة مطابقتها مهما كان وما تحول الأمر؛ لأن لفظها الصريح موجب أمر إيجاب سماوي من الله إعداد كل ما يمكن أن يدخل في الاستطاعة من القوة لِقَمْعِ الكَفَرَةِ (قَبَّحَهُمُ الله)، فهذا أمْرٌ واجِب، فلو عمل الناس بهذا الأمر، وبذلوا ما عندهم من الإمكانيات والثروات في إعداد القوة الكاملة من جميع وجوهها، حتى في تعليم الأمور التي تطورت إليها الحياة الراهنة؛ لأن كل حال له مقال، وكل حالة لها مواجهات بأمور تُلاَئِقُهَا.
ودين الإسلام مرن غاية المرانة، كل شيء يقابله بما يصلح له، وذلك في نور السماء الذي شرعه الله