تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: الآية 63] فلو كانت مخالفة الأمر غير معصية، وامتثال الأمر غير واجب لما شدد عليه هذا الوعيد العظيم في قوله: {أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وقال تعالى لإبليس: {مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} [الأعراف: الآية 12] والأمر بصيغة (افعل) وهو قوله: {اسْجُدُواْ لآدَمَ} [الأعراف: الآية 11] فعنفه التعنيف الشديد الذي لا يفعل إلا لتارك الواجب على مخالفته لصيغة (افعل) التي هي: {اسْجُدُواْ لآدَمَ} وقد قال نبي الله موسى لأخيه هارون: {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} [طه: الآية 93] يعني قوله: {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ} الآية [الأعراف: الآية 142] والمعصية لا تسمى إلا لارتكاب الحرام المستوجب للإثم، وقد وبخ الله (جل وعلا) قوماً توبيخاً شديداً لمخالفتهم لصيغة (افعل) في قوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لاَ يَرْكَعُونَ} [المرسلات: الآية 48] (اركعوا) صيغة (افعل) وقد وَبَّخَ مَنْ لم يَمْتَثِلْها وعنّفه تعنيفاً شديداً في قوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لاَ يَرْكَعُونَ (48)}، وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن تَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: الآية 36] وفي القراءة الأخرى: {أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} (?) فجعل أمر الله وأمر الرسول موجباً للامتثال قاطعاً للاختيار. وقال في الملائكة: {لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ} [التحريم: الآية 6] فدل على أنهم لو لم يمتثلوا ما أمرهم لكانوا عاصين، حاشاهم من ذلك.

وأما اللغة العربية: فإنك لو قلت لعبدك: اسقني ماءً. أمرته وألزمته بصيغة (افعل) ثم ترك ولم يمتثل فَأَدَّبْتَه، فقال لك العبد:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015