وفاء ولا غدر، فلما جيء معاوية به وجده عَمْرَو بن عبْسة (رضي الله عنه) فقال: إني سَمِعْتُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إِنْ كَانَتْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ عُهُودٌ فَلاَ تَشدُّوا الْعُقْدَةَ وَلاَ تَحُلُّوهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ المُدَّةُ أَوْ تَنْبِذُوا إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ». قالوا: فرجع معاوية رضي الله عنه (?).
ومعنى الآية الكريمة: إن تخف الخيانة مِنْ قَوْم بينك وبينهم عهد -والخيانة هنا: الغدر ونقض العهد- {فَانبِذْ إِلَيْهِمْ} أي: فاطرح إليهم عَهْدَهُمْ {عَلَى سَوَاء} أَنْتَ وَهُمْ مستويان في العلم بنقض العهد، ولا تدلس لهم فيظنوا أنك على عهد حَتَّى تمكر بهم وهم في غفلة، بل أعلمهم بنقض العهد ليستعدوا للحَرْبِ ولا تحارِبْهم في غفلة. وهذا مِنْ كَمَالِ إنصاف دين الإسلام؛ لأن التعاليم السماوية والكتب الإلهية هي في غاية العدالة والإنصاف، حتى مع الكفار نهى نبيه أن يُحَارِبَهُمْ وهم في غفلة من ذلك، بل أمره أن يعلمهم وينبذ إليهم العهد علنًا حتى يستوي الجميع في العلم بالحال الواقعة ليستعدوا لِلْحَرب والقتال؛ ولئلا يُؤْخَذُوا على غِرَّة، فهذه مكارم الأخلاق والعدالة الكاملة. ولا شك أن هذا التشريع تشريع ممن هو عالم بأن أولياءه لهم النصر والظفر لا حاجة له في استعداد الكفار وعلمهم وقوتهم؛ لأنه يعلم أنهم مغلوبون مقهورون، وأن الدائرة عليهم، وهذا معنى قوله: {فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء}. {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ} [الأنفال: الآية 58].