غَفْلَةً منكم. وهذا معنى قوله: {فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء} النبذ في لغة العرب: الطَّرْح. ومفعول (انبذ) محذوف، أي: فاطرح إليهم عهدهم، وألقه إليهم في حال كونك أنت وهم {عَلَى سَوَاء} استواء في العلم بأنك حرب لهم وهم حرب لك، ليس أحد منكما يدلس للآخر. وعلى هذا فقوله: {عَلَى سَوَاء} أي: في العلم؛ بأنك لست على صُلْحِكَ الأول لما رأيت مِنْ علامات غدرهم ونقضهم له.
قال بعض العلماء: فانبذ إليهم عَهْدَهُم حَالَ كَوْنِ ذلك النبذ على سواء. أي: على عدالة وطريقة محمودة؛ لأن العرب تسمي العَدَالَةَ (سواء)، وتسمي الطريق العدل الواضح (سواء) و (سويّاً) ومن هذا قول الراجز (?):
وَاضْرِبْ وُجُوهَ الغُدَّرِ الأَعْدَاءِ ... حَتَّى يُجيبُوكَ إِلَى السَّوَاءِ
أي: إلى العدالة والإنصاف من غير مَيْلٍ وَلاَ جَوْرٍ. وهذا معنى قوله: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً} أي: إِنْ خِفْتَ يَا نَبِيَّ اللهِ خِيَانَة مِنْ قوم كان بينك وبينهم عهد بأن ظهرت لك أمارات الغدر وعلاماته وأوائله منهم {فَانبِذْ إِلَيْهِمْ} فاطرح إليهم، وألْقِ إليهم العهد في حال كونك وإياهم على {سَوَاء}، أي: مستوين في العلم بالحالة الواقعة وأنه لا عهد بينك وبينهم. وقد جاء عن معاوية (رضي الله عنه) أنه كان بينه وبين الروم مصالحة وعهود ثم إنه (رضي الله عنه) سار إليهم وهم لا يشعرون ليقرب منهم، فإذا انقضت مدة العهد كان قريباً منهم فحمل عليهم، فإذا رجل على فرس له -وفي بعض روايات الحديث في السنن وغيرها- على دابة له، ذلك الرجل يقول: الله أكبر، الله أكبر،