إن تَخَافَنَّ مِنْ هَؤُلاء القوم الذين كانت بينك وبينهم عهود تخافن منهم خيانة، أي: خيانة بنقض تلك العهود بأن يخونوك وينقضوا العهود. و (ياء) الخيانة مبدلة من واو؛ لأن أصل مادة الخيانة أجوف واوي العين، مِنْ: خَانَ يَخُون. أصلها: (خِوَانَة) فأبدلت الواو ياء (?)، كالحيازة من الحَوْز، والصيانة مِنَ الصَّوْنِ، والصّيَام من الصوم. إن تخف يعني مِنْ قَوْم بينك وبينهم عهود ومواثيق تخف منهم خيانة، أي: غدراً ونقضاً للعهود {فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء} يعني بأن يكون خوف الخيانة ظهرت له أمارات ومبادِئ وقرَائِن يُسْتَدَل بها عليه، كما ظهر من بني قريظة أنهم لما عاضدوا المشركين وناصروهم ولم يصرحوا بنبذ العهد كانت مناصرة المشركين ومعاضدتهم قرائن واضحة وأمارات لائحة على أنهم ناقضون للعهد.
وعلى كل حال فالَّذِي دل عليه استقراء القرآن ودلت عليه الوقائع -وهو الصحيح إن شاء الله- أن الأمر له حالتان: تارة يكون الكفار الذين بيننا وبينهم عهد ومصالحة تصدر منهم أشياء تدل على نَقْضِ العَهْدِ، لِدلالة قَرَائِن على ذلك، أنهم صدرت منهم مَبَادِئ نقض العهد، ففي هذه الحالة لا ينبغي للإمام أن يَبْقَى على عهدهم وقد ظهر له منهم أمارات الخيانة؛ لئلا يصيبوا المسلمين بِغَائِلة، ففي هذه الحالة يجب على الإمام أن يصارحهم ويقول لهم: رأينا منكم ما يدل على نقضكم العهد وهو كذا وكذا وكذا، فهذا عهدنا إليكم قد طَرَحْنَاهُ إِلَيْكُمْ، ونَبَذْنَاه إليكم، وألقيناه إليكم، وأعْلَمْنَاكُمْ أنَّهُ لَيْسَ بَيْنَنَا وبَيْنَكُمْ عَهْد، خَوْفَ أنْ تَظُنّوا أنَّا نخدعكم ونكيدكم ونُحَارِبُكُمْ