ومعنى قوله: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء} نزلت هذه الآية الكريمة في بني قريظة، قال بعض العلماء: في هذه الآية إشكال معروف؛ لأن قوله: {تَخَافَنَّ} الخوف يطلق على الظن الذي لا يستلزم اليقين، والعهد شيء مؤكد مُتَيَقَّن، فكيف يَنْتَقِل عَنْ حُكْمِ يقين العهد إلى ظن نقض العهد، والقاعدة المُقَرَّرَة في الأصول: أن اليقين لا يرتفع بالشك (?)؟

وأجاب العلماء عن هذا بجوابين (?):

أحدهما: هو -ما قدمنا مراراً- أن العَرَبَ رُبَّمَا أطلقت الخوف وأرَادَتْ بِهِ العلم، كقوله: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة: الآية 229]. علمتم من قرائن أحوالهما ألا يقيما حدود الله. {إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاّ يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ} أي: يعلما ألا يقيما حُدُودَ الله. ولا شك أن العرب تطلق الخوف على العلم اليقين، ومن شواهده قول أبي محجَن، مالك بن حبيب الثقفي (?):

إذا مِتُّ فادفنِّي إلى جَنبِ كَرْمَةٍ ... تُرَوِّي عِظامي في المماتِ عُرُوقُها ...

وَلاَ تدفنني بالفَلاة فَإِنَّنِي ... أَخَافُ إِذَا مَا مِتُّ أَنْ لا أذوقُها

وهو يتيقن علماً يقيناً أنه إذا مات لا يذوقها، فقد أطلق (أخاف) وأراد (أعلم) وهو عربي فصيح. وعلى هذا القول فـ {وَإِمَّا تَخَافَنَّ} أي: إِمَّا تَعْلَمَنَّ مِنْ قَوْمِ خيانة. وقال أكثر العلماء: إن كان بَيْنَكَ وبين قوم عهود ومواثيق -كالعهود التي كانت بينه صلى الله عليه وسلم وبين يهود بني قريظة-

طور بواسطة نورين ميديا © 2015