[الزخرف: الآية 77] فهذا العذاب الذي لا يقطعه الموت ولا غيره هو الذي يُخاف منه وُيحذر منه، وهو الشديد بمعنى الكلمة، فعلى كل عاقل أن يَتَحَفَّظ منه ويتحرز منه في دار الدنيا مع إمكان الفرصة قبل أن يفوت الأوان ويندم حيث لا ينفع الندم، وهذا معنى قوله: {إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: الآية 52].

ثم قال جل وعلا: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الأنفال: الآية 53] الفعل المضارع منصوب بـ (أن) بعد (حتى)، و (حتى) حرف جر بمعنى الغاية. والأصل: إلى أن يغيروا؛ أي: إلى تغييرهم ما بأنفسهم، فهو غاية ذلك المذكور مما أنزل الله بهذه الأمم من المثلات، وما أنزل بكفار مَكَّةَ من العذاب يوم بَدْر والقتل والأسر متصلاً بِعَذَابِ الآخِرَةِ الَّذِي لاَ ينقطع بسبب أن الله جل وعلا {لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً} (يكن) مضارع كان يكون، وحذف النون في الفِعْل المضارع معروف بقياس مطَّرِدٌ نطقت به العرب كذلك، سواء كان بعده (أل) أو لم تكن بعده (أل) كما هو معروف {لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ} نعمة: مفعول به لاسم الفاعل. والنعمة: مصدر بمعنى الإنعام، وهو ما ينعم الله ويتفضل به على خلقه. أنعم بها {عَلَى قَوْمٍ} أي: جماعة من الناس كقريش وغيرهم من الأمم {حَتَّى يُغَيِّرُواْ} والمعنى: أن عدم تغييره للنعمة مُغَيّا بغاية، تلك الغاية هي أن يغيروا ما بأنفسهم، فإذا غَيَّرُوا ما بأنفسهم بأن ارتكبوا سوءاً يَسْتَوْجِبُ العَذَاب والغضب غيرنا النعم بسبب تغييرهم إياهم.

وهذه الآية الكريمة وأمثالها في القرآن يجب الاعتبار بها، وأن الإنسان لا يتسبب في تغيير نعمة الله عنه بتغييره ما في نفسه، بل يدوم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015