{إِنَّ اللَّهَ قَوِىٌّ} القوة: ضد الضعف، وقد بين (جل وعلا) أن القوة ضد الضعف في قوله: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ... } الآية [الروم: الآية 54]. وهذا معنى قوله: {إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ} لأن الله (جل وعلا) قوي، هو أقوى من كل شيء، حتى لما قال عاد ما قالوا {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} قال لهم: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [فصلت: الآية 15].
{شَدِيدُ الْعِقَابِ} العقاب: النكال الشديد لأجل الذنب. قال بعض العلماء: سُمِّيَ عقابًا؛ لأنه يأتي عَقِبَ الذَّنْبِ مِنْ أجْلِهِ. وقد بيَّنَّا مراراً أن الله (جل وعلا) في كتابه يُنَوِّهُ بشدة عقابه {شَدِيدُ الْعِقَابِ} {شَدِيدُ الْعَذَابِ} [البقرة: الآية 165] {عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: الآية 174] {عَذَابٍ شَدِيدٍ} [إبراهيم: الآية 2] ونحو ذلك من تشنيع عذابه وفظاعته، وإن الأمر كذلك؛ لأنه ليس يوجد عذاب هو في غايته شديد فظيع إلا عذاب الله (جل وعلا) {فَيَوْمَئِذٍ لاَ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26)} [الفجر: الآيتان 25، 26] لأن الناس إذا عذبوا المجرمين، والملوك الطغاة البغاة إذا أرادوا أن يعذبوا لا يستطيعون من العذاب إلا قدر ما يستوجب الموت مرة واحدة، فإذا شددوا العذاب على المعذب بقدر ما يميته مات وانتهى الأمر، أما خالق السماوات والأرض (جل وعلا) فإنه يعذبه بالآلاف مما يستوجب الموت وهو لا يموت. {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ} [إبراهيم: الآية 17] وقال جل وعلا: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ} [النساء: الآية 56] {لاَ يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا} [فاطر: الآية 36] {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ (77)}