أن بعض الآيات قد يكون فيها شبه إجمال وتبينه آيات أُخر، وقد أوضحت آيات أخر أن الله لا يظلم شيئاً، كقوله: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء: الآية 40] {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (44)} [يونس: الآية 44] فالآيات الواضحات بينت هذا وأوضحته غاية الإيضاح.
وقال بعض العلماء: المبالغة هنا لا يقصد بها أصل المبالغة؛ لأن التكثير نظراً إلى كثرة العبيد؛ لأن الظّلم لمّا تَعَلَّقَ بالعبيد وكان العبيد في كثرة هائلة كان الظلم كثيراً جدّاً لكثرة من هو منفي عنهم؛ ولذا كان نفيه نفيه من أصله؛ لأن الكثرة فيه والمبالغة بحسب العبيد الذين يقع عليهم الظلم.
وقال بعض العلماء: - وهي نكتة حسنة - أن هذا العذاب الذي يعذبهم الله به هو عذاب فظيع هائل لا يُقَادر قدره ولا يُماثل مثله، فلو وقع منه ظلماً لكان مبالغاً في غاية الظلم مبالغة عظيمة، فنفى المبالغة بهذا الاعتبار، ومعناها نفي الفعل من أصله. وهذا الوجه حسن جدّاً، إلا أن فيه دقة. وهذا معنى قوله: {وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} [الأنفال: الآية 51].
وقوله (جل وعلا) في هذه الآيات الكريمة: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (52)} [الأنفال: الآية 52] الكاف في قوله: {كَدَأْبِِ} في محل رفع خبر مبتدأ محذوف. أي: دأبهم دأب كفار مكة، أبي جهل وأصحابه. دأبهم؛ أي: عادَتهم، ودينهم، وديْدَنهُم كدأب آل فرعون؛ لأن فر عون وقومه كان دأبهم الكفر، وتكذيب الرسل، والتمرد على الله، والكفر بالآيات، وجحودها بعد الاستيقان؛ لأن