فرعون -لعنه الله- متيقن كل اليقين أن نبي الله موسى صادق، وقد أوضح الله يقينه بذلك في موضعين: أحدهما قوله فيه [في سورة النمل: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً} الثاني: قوله تعالى إخباراً عن قول موسى لفرعون في سورة الإسراء: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُوراً} وهذا كان دأب المكذِّبِين مِنَ الأقْوَام الذين بُعث فيهم الرسل كقوم نوح] (?).
[6/ب] / وقوم صالح وقوم شعيب وقوم لوط، كل هؤلاء كانوا في غاية التمرّد والعتو وتكذيب الرسل بعد قيام المعجزات ووضوح الحق. بين الله (جل وعلا) أن كفار قريش دأبهم كدأب أولئك. والدأب في لغة العرب: العادة. فكل من يجري على سنَن مطرد وعادة ووتيرة تقول العرب: هذا دأبه. أي: عادته وديْدَنُهُ الذي يسير عليه دائماً. ومنه قول امْرِئ القيس في إحدى روايتي بيته (?):
كدَأبكَ من أمَّ الحُويرث قَبْلَها ... وَجَارَتَها أمَّ الرَّبابِ بمأْسلِ
وقرأ هذا الحرف عامة القراء غير أبي عمرو في رواية السوسي: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} بتحقيق الهمزة، وقرأه أبو عمرو في رواية السوسي عنه خاصة: {كَدَابِ ءالِ فِرْعَوْنَ} بإبدال الهمزة ألفاً في الموضعين.
والمعنى: دأب هؤلاء الكفرة دأبهم وديدنهم ودينهم مثل دأب آل فرعون في تكذيب الرسل؛ لأن فرعون كلما جاءته آية يقول: {لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (134) فَلَمَّا