لشرفكم وقوتكم، وأنكم قطّان بيت الله الحرام، زين لهم هذا التزيين، وقال لهم: إنه جار لهم يجيرهم من بكر بن كنانة، وذَهَب معهم وهم يعتقدونه سراقة بن مالك (?)، فلما فَرَّ عَنْهُمْ صَارُوا يعيبون سراقة ولم يعلموا أنه الشيطان
[6/أ] حتى أسلموا وسمعوا القرآن يُتلى أنه الشيطان تمثل لهم في صورة سراقة،/ وفيه يقول حسان:
سِرْنَا وَسَارُوا (?) [إِلَى بَدْرٍ لحينِهِمُ ... لَوْ يَعْلَمُونَ يَقِينَ الأَمْرِ مَا سَارُوا ...
دَلاَّهُمُ بِغُرُورٍ ثُمَّ أَسْلَمَهُمْ ... إِنَّ الخَبِيثَ لمَنْ وَالاَهُ غَرَّارُ ...
وَقَالَ: إِنِّي لَكُمْ جَارٌ فَأَوْرَدَهُمْ ... شَرَّ المَوَارِدِ فِيهِ] الخِزْيُ والْعَارُ
هذا معنى قوله: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ} [الأنفال: الآية 48] فلما صف معهم للقتال -وكان حاضراً إذ ذاك- رأى الملائكة تنزل، وكان إبليس اللعين لما رأى الملائكة عرفها، ولما عرف الملائكة خاف خوفاً شديداً؛ لأن الشياطين أخوف ما تخافه الملائكة (صلوات الله وسلامه عليهم)، فعند ذلك {نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ} أي: رجع القهقرى. والعقب: مؤخر الرجل؛ لأن الراجع القهقرى يمشي على عقبيه، أي: منعكساً متقهقراً. {وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ} تبرأت منكم، كما هي عادة الشَّيْطَان، يورد الإنسان الهلاك حتى إذا أوْقَعَهُ فِيهِ تَبَرَّأَ منه؛ لأنه غرَّار خداع كما قال تعالى: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ} [الحشر: الآية 16]