فسمى قعودهم وتركه العمل سماه «عملاً مضللاً» وهذا معروف، ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: «المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» (?) فسمى ترك الأذى إسلاماً، ومعلوم أن الإسلام لا يكون بالعدم إلا بأفعال، وهذا يبين أن الأعمال التي يُزَيِّنُهَا الشيطان فيؤاخذ الإنسان بها أربعة: أعمال الجوارح (وهي الأفعال)، وأعمال اللسان (وهي الأقوال)، والعزم المُصَمِّم، والترك، كما لا يخفى، وهذا معنى قوله: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ}.
{وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ} [الأنفال: الآية 48] الله هنا في هذه الآية من سورة الأنفال صرح بأن الشيطان (قال) ولم يقل: (وسوس) فصرح بالقول ولم يذكر الوسوسة؛ لأن الشيطان تَمَثَّلَ لهم في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي البَكْرِي (رضي الله عنه)؛ لأن قريشاً لما جاءهم ضَمْضَم بن عمرو الغفاري -أرسله لهم أبو سفيان- وتأَهَّبُوا للخُرُوجِ وأجمعوا عليه، وبينهم وبين بني بكر بن كنانة عداوة، فخافوا أن يأتوهم من ورائهم فيأخذوا نساءهم وذراريهم، فجاءهم إبليس في صورة سراقة بن مالك، وكان سيد بني مدلج، وهو من سادات بَنِي بَكْر بن كنانة، وقال لهم: إني جار لكم، أجيركم من كنانة فلا يصل إليكم منهم سوء، وَزَيَّنَ لهُمْ هذه الأعمال، وقال: أنتم على حق، هذا الرجل الذي سفه أحلامكم، وفَرَّقَ كَلِمَتَكُمْ، وعَابَ آلهتكم، وسفَّهَ آباءكم، فاذهبوا إليه ولا تتركوه يأخذ عِيرَكم، ونحو هذا من التَّزْيين، ولا غالب لكم