وقد أجرى العلماء على هذا الاختلاف فروعاً كثيرة في المذاهب (?)، هل الترك فعل أو لا؟
قالوا: فبناء على أن الترك فعل: إذا كان الإنسان عنده خيوط مِنْ حَرِير مثلاً، وشق بطن واحد من رفقته، وأمسك عنه خيوط الحرير تخاط بها بطنه حتى هلك. فعلى أن الترك فعل فقد أهلكه بتركه، فتلزمه ديته، وعلى أن الترك [ليس] (?) بفعل لا غرامة عليه.
وكذلك من كان عِنْدَه ماء يفضل عن سقي زرعه، وجف زَرْع جَارِهِ إذا أمسك عنه الماء الفاضل عنه، فعلى أن الترك فعل يضمنه؛ لأنه أفسده بفعله، وعلى أنه ليس بفعل فلا.
ومن هذا: ناظرو الأوقاف والأوصياء على اليتامى إذا تركوا إيجار دورهم وقت الإيجار حتى فاتت الفرصة، فعلى أن الترك فعل يضمنون، وعلى أنه ليس بفعل لا يضمنون، وهي قاعدة كثيرة الفروع في مذاهب الأئِمَّةِ (رَحِمَهُم الله) بسطها وبسط فروعها مقرّر في مذاهبهم. وأصح القولين: أن الترك فعل، وأنه عمل من الأعمال التي يزينها الشيطان، وكان صلى الله عليه وسلم أيام بنائه لهذا المسجد الشريف -يسر الله له العمارة بطاعة الله وعبادته- كان النبي صلى الله عليه وسلم ممن يعمل فيه وبعض الصحابة جلوس، فقال بعضهم (?):
لَئِنْ قَعَدْنَا وَالنَّبِيُّ يَعْمَلُ ... لَذَاكَ مِنَّا العَمَلُ المُضَلَّلُ