قوله تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (30)} [الفرقان: الآية 30] قد فهمت من هذه الآية في سورة الفرقان أن التَّرْكَ فِعْلٌ؛ لأن الأخذ: هو التناول، والمهجور: المتروك، أي: تناولوه متروكاً. فدل على أن الترك فعل يُؤتى بالتناول، وهذا لا يظهر لي كل الظهور.
أما الآيتان اللتان عثرنا عليهما في سورة المائدة، الدالتان على أن الترك فعل من الأفعال:
فإحداهما قوله تعالى: {لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ} ثم قال: {لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} [المائدة: الآية 63] إنشاء الذم بقوله {بِئْسَ} هنا متوجه على ترك الربانيين والأحبار النهي، وقوله: {لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} أي: بئس ما يصنعه الربانيُّونَ والأحْبَار وهو تركهم. فسمّى تركهم الأمر بالمعروف صنعاً، والصُّنع أخَصّ من مُطْلَقِ الفِعْلِ، وهذا هو التحقيق في معنى الآية، وهو نص صريح في أن الترك من الأفعال.
والآية الأخرى: قوله في المائدة أيضاً: {كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ (79)} [المائدة: الآية 79] وهو عدم تناهيهم عن المنكر، فسمّى تركهم التناهي عن المنكر (فعلاً) وذمه أيضاً بالفعل الجامد الذي هو لإنشاء الذَّمِّ أعني: (بئس) لأن (نِعْمَ) لإنشاء المدح، و (بئس) لإنشاء الذم، كما هو معروف في محله (?).