ويستولي عليكم الخور (?) {فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} الإنسان إذا كان في عمل يديره ليُحَصِّلَ ورَاءَهُ نتيجة فإن تم له عمله ووقع ما أراد قالت العرب: نجح في أمره. وإن كان عكس ذلك قالوا: فشل في أمره، لم ينجح. وقال بعض العلماء: {فَتَفْشَلُواْ} يستولي عليكم الضعف والخور؛ لأن النزاع من أكبر أسباب الضعف والخور وعدم انتظام الكَلِمَة، وهذا النِّزَاع والاختلاف هو مشكلة عُظْمَى في أقطار الأرض؛ لأن من يَتَسَمَّوْن باسم المسلمين ينازع بعضهم بعضاً، ويعادي بعضهم بعضاً، وقد بَيَّنَ تَعَالَى في سورة الحشر أن اختلاف القلوب، والمنازعات الشديدة، وتشتُّت الآراء والأفكار، وعدم الاتحاد، أن سبب هذا الذي يجتلبه به إنما هو ذهاب العقل وعدم العقل؛ لأن العاقل لا يتسبب في المخالفة؛ لأنك إذا اختلفت أنت وأخوك كان تدبيره وكُلّ ما عنده من قوة يعمل ضدك، فإذا كنت عاقلاً -ولو عقلاً دنيويّاً- كان تسببك في أن يكون معك؛ لأن كون قوته وما أعطاه الله في صالحك خير لك من أن يكون في غير ذلك؛ ولذا بيّن تعالى أن سبب اختلاف القلوب هو ضعف العقول وعدمها، قال في قوم -وهم اليهود لعنهم الله- {بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر: الآية 14] أي: مختلفة مفترقة، فرق متعادية مختلفة. ثم بَيَّنَ العِلَّةَ التي أوجبت تشتت تلك القلوب قال: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَعْقِلُونَ} وقد تَقَرَّرَ في علم الأصول أن العلل تعمّم معلولاتها وتخصصها كما هو معلوم في محله (?). وهذا معنى قوله: {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: الآية 46] الفاء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015