فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48)} [الأنفال: الآيات 45 - 48].
يقول الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ (45)} [الأنفال: الآية 45].
هذه الآية الكريمة تضمنت تعليم الله لنبيِّه وأصحابه بعض الخطط العسكرية، قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} ناداهم باسم الإيمان ليكون ذلك مدعاة للقبول: {إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً} أي: طائفة. أي: جيشاً من جيوش الكفار يقاتلونكم إذا لقيتموهم في ميدان القتال والتحمتم أنتم وهم {فَاثْبُتُواْ} يعني: لا تنهزموا، ولا تولوهم الأدبار، فاصمدوا أمامهم واثبتوا، ولا تتزعزعوا، ولا تنهزموا، ولا ترجعوا القهقرى. وهذا تعليم من خالق السماوات والأرض للمسلمين إذا الْتَحَم القتال أن يثبتوا ويصمدوا صمود الرجال، ولا ينهزموا ولا يرجعوا القهقرى.
ثم إنه عَلَّمَهُم التعليم الأكبر الذي هو سبب للنصر والظفر في جميع الميادين، قال: {وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيراً} (كثيراً): نعت لمصدر محذوف؛ أي: ذكراً كثيراً {لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ} أي: لأجل أن تفلحوا (?). وهذا هو التعليم السماوي للخطط الميدانية التي يحصل بها انهزام الكفر وانكسار شوكته، كأنه يقول لهم: في هذا الوقت الضنك الحرج الذي الْتَحَمْتُمْ فيه مع جيوش الكفار في هذا الوقت قووا صلتكم بمن خلقكم -جل وعلا- واذكروه ذكراً كثيراً. والمعنى: أنكم عند هذه الشدائد، وعند التحام القتال والمفروض أن