لأن (رأى) هذه بصرية لا علمية على التحقيق (?). وهذا معنى قوله: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً} يعني ترونهم كأنهم شيء قليل لتتجرءوا عليهم وتشجعوا وتقوى نفوسكم عليهم، وقد جاء عن ابن مسعود (رضي الله عنه) أنهم لما تصوبوا من كثيب بدر قال لرجل معه: أتظنّهم يبلغون سبعين - وهم ألف - فقال الرجل: أرى أنهم يبلغون المئة (?). هذا من شدة تقليلهم في أعينهم ليتجرءوا عليهم، كذلك {وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ} لما رأوهم قالوا: هؤلاء أكَلَةُ جزور ليسوا بشيء. وقال أبو جهل: لا تقتلوهم بل خذوهم واربطوهم لِنَذْهَب بهم حيث نشاء. من شدة استقلاله لهم، وظنه أنهم لا شيء!! وهذا معنى قوله: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ} ليتجرأ هؤلاء على هؤلاء، وهؤلاء على هؤلاء؛ لأجل أن يقضي الله أمره، وينفذ إرادته ومشيئته بتهيئته أسباب ذلك. وهذا معنى قوله: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ} بذلك {أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً} في علمه، وأزله، منفذاً في وقته لا محالة؛ لأن الله (جل وعلا) يقضي ويقدّر، فيقدر كل ما شاء ثم يقضيه مُنْجَزاً في أوْقَاتِهِ في أماكنه على هيئته وصوره التي سبق بها علمه (جل وعلا) ولذا قال: {لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً}.
{وَإِلَى اللَّهِ} جل وعلا وحده {تُرْجَعُ الأمُورُ} قرأ هذا