قوله: {وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَّفَشِلْتُمْ} الفشل ضد النجاح، وهو الجبن والخور؛ أي: لأصابكم الخور والجبن وتنازعتم في هذا الأمر، هذا معنى قوله: {لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ} بأن قال قوم: نذهب إليهم وإن كانوا كثيراً. وقال آخرون: ما ذهبنا إلا للعير، وما ذهبنا مستعدِّين لنفير كثير.
وحصل فيكم الفشل والتنازع في الأمر {وَلَكِنَّ اللَّهَ} جل وعلا {سَلَّمَ} من هذا الفشل ومن هذا التَّنَازُع بأن أرى رسوله صلى الله عليه وسلم في المنام أنهم قليلون لتتجرءوا عليهم، وقَلَّلكم في أعينهم فعلاً يقظة رأْيَ العين، وقللهم في أعينكم تصديقاً لرؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم، هذا معنى قوله: {وَلَكِنَّ اللهَ سَلَّمَ}.
{إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} المراد بذات الصدور: ما يُصَاحِبُ الصدور ويَكْمُنُ فيها من الخواطر والهواجس، وقد علم أنه لو أراه إياهم كثيراً لتنازعتم في ذلك الأمر ولفشلتم، فهو يعلم بما يهجس في الصدور، وما يخطر فيها، وما توسوس به النفوس، وهذا معنى قوله: {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [الأنفال: الآية 43].
ثم قال: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً} [الأنفال: الآية 44] فهذا رأي في العين تصديقاً لرؤياه صلى الله عليه وسلم واذكر حين يريكموهم الله في منامك قليلاً. الصحيح أن (قليلاً) هنا و (كثيراً) أنهما حالان، وأنها (رأى) البصرية عُدِّيَتْ بالهمزة فَتَعَدَّتْ إلى مفعول آخر، وأن (قليلاً) ليس مفعولاً ثالثاً، خلافاً لمن قال من بعض العلماء: إنها عُدِّيَتْ هُنَا إلى المفعول الثالث. والأصوب: أن (قليلاً) هنا حال، وأنها ليست بمفعول ثالث؛