حتى إنهم لما تصوبوا من عقنقل بدر قال ابن مسعود (رضي الله عنه): قلت لصاحبي: أتراهم يبلغون السبعين؟ قال: أظنّهم يبلغون المائة (?). مِنْ شِدَّةِ تقليل الله لهم في عيون الصحابة، والله قَلَّلَ الصحابة في عيون المشركين حتى قال أبو جهل: إنهم أَكَلَةُ جَزُور. يعني: الجزور قد يأكلها ناس قليلون.

فقلّل الله هؤلاء في أعْيُنِ هؤلاء، وهؤلاء في أعين هؤلاء، فَبَعْدَ أَنِ الْتَحَمَ القِتَالُ والْتَقَى الصفّان أكثر الله المؤمنين في أعين الكافرين حتى صاروا يظنونهم ضعْفَيْهِمْ، كما تقدّم في قوله: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ} إلى قوله: {يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ} [آل عمران: الآية 13]؛ لأن الكفار بعيونهم يَرَوْنَ أن المسلمين أكثر منهم بالضِّعْف؛ لأن الله فعل كل ذلك لحكمة قبل أن يتلاقى هؤلاء وهؤلاء، جعل هؤلاء قليلاً في أعين هؤلاء، وهؤلاء قليلاً في أعين هؤلاء، ثم لما الْتَحَمَ القتال والتقى الصفان أَكْثَر المسلمين في أعين الكافرين فظنوا أنهم أكثر منهم مرتين؛ ولذا قال هنا: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً} [الأنفال: الآية 43] لأن النبي صلى الله عليه وسلم أراه الله الكفار في النوم قليلاً وأخْبَرَ بها أصحابه ففَرِحُوا بذلك وقويت قلوبهم وتهيئوا للقتال، والله (جل وعلا) صدّق تلك الرؤيا بأن قلَّلَهُم في أعينهم يوم بدر، كما يأتي الآن، ثم قال: {وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَّفَشِلْتُمْ} لو أراك في النوم أنهم عدد ضخم كثير كالألف وأخبرتهم بذلك لخافوا وقالوا: لم نستعد لهؤلاء، وإنما خرجنا للعير!! كما تقدم في قوله: {وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ} [الأنفال: الآيتان 5، 6] وهذا معنى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015