عملاً». وكان جبريل (عليه الصلاة والسلام) لاحَظَ شِدَّة الحاجة إلى هذه النقطة الحسّاسَة فأراد أن يبينها لأصحاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ليعلِّمَهُمْ هذا العلم العظيم، فجاء في صورة أعرابي في حديثه الصحيح المشهور، وقال للنبي صلى الله عليه وسلم في جملة ما سأله عنه: يا محمد -صلوات الله وسلامه عليه- أخبرني عن الإحسان. يعني: وهو الذي خلق الخلق للإخبار فيه، فبيّن له النبي صلى الله عليه وسلم أن طريق الإحسان ووسيلته الوحيدة هي هذا الواعظ الأكبر والزاجر الأعْظَم الذي هو مُرَاقَبَةُ خالق هذا الكون (جل وعلا). فقال له: «الإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» (?).

ولأجل تأكد هذا العلم وإحضاره في ذهن كل مسلم كنت لا تقلب ورقة من المصحف الكريم إلا ووجدت فيها هذا الزاجر الأكبر والواعظ الأعظم: أن ربّك مطّلعٌ على كل ما تقول وكل ما تفعل. ولو علم أهل بلد أن أمير ذلك البلد يعلم كل ما يفعلونه بالليل من الخَسَائِسِ لَبَاتُوا متأدّبِين لا يفعلون إلا ما لا يجر لهم ضرّاً، وهذا خالق السماوات والأرض (جل وعلا) يعلم خَطَرَات القلوب، ومع هذا لا يبالون بهذه الزَّوَاجِر العِظَام والمواعظ الكبار.

وقد ضرب العلماء لهذا مثلاً (?) قالوا: ولو فرضنا -ولله المثل الأعلى- أن في هذا البراح من الأرض ملكاً عظيماً شديد البأس والبطش إذا انْتُهِكَتْ حُرُمَاتُه، وحوله نساؤه وجواريه وبناته، وحوله جلوس، هل يخطر في ذهن أحد أن أحداً من أولئك الجلوس يهتم بريبة، أو غمزة عين، أو إشارة؟ لا وكلا، كلهم خاضع خاشع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015