وكونه (جل وعلا) سميعاً عليماً هذا هو البرهان الأكبر والزَّاجِر الأعْظَم الذي لا تكاد تقلب ورقة واحدة من المصحف الكريم إلا وجدته فيه؛ لأن المصحف الكريم لا تكاد تنظر في موضع منه إلا وتجد فيه: {إنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: الآية 231] {خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [آل عمران: الآية 153] {عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمران: الآية 154] {لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ} [آل عمران: الآية 5] لا تكاد تحصي هذا؛ لأن هذا أكبر واعظ وأعظم زاجر أنْزَلَهُ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ إِلى الأرض، وأنه هو الذي يحصل به النَّجَاح في محكّ الاختبار الإنساني بِأَسْرِهِ.

وإيضاح هذا الكلام: أن الله (جل وعلا) بَيَّنَ في آياتٍ مِنْ كِتَابِهِ أن الحكمة التي خلق السماوات والأرض والخلائق من أَجْلِهَا هي أن يبتلي خَلْقَهُ فِي نقطة واحدة هي: إحسان العمل (?)، وليست بكثرة العمل، قال في أول سورة هود: {خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء} ثم بَيَّنَ الحِكْمَةَ فقال: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [هود: الآية 7] ولم يقل: أكثر عملاً، وقال في أوَّلِ سورة الكهف: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَّهَا} ثم بيّن الحكمة فقال: {لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الكهف: الآية 7] ولم يقل: أكثر عملاً. وقال في أول سورة الملك: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} ثم بيّن الحكمة فقال: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك: الآية 2] ولم يقل: أكثر عملاً. فدلّت هذه الآيات على أن محكّ الاختبار هو إحسان العمل؛ ولذا كل الناس يقول: «ليتني أدركت ما أنجح به في هذا الاختبار، وعرفت الطريق الذي يُتوصّل بها إلى أن أكون أحسن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015