الرَّاهِنَة تساعدهم على أن يغلبوكم؛ لأن العُدوة الدنيا كانت أرضها خباراً (?)، أرضاً رخوة تسوخ فيها الأقدام، ولا يَتَيَسَّر فيها المشي، ولا ماء فيها، فمن فيها عطاش.

والعُدوة القصوى كانت بخلاف ذلك يسهل المشي عليها، فهم في هذا كانوا أوْلَى بأَنْ يسبقوكم على الماء ويمنعوكم منه فيقتلوكم، وأنه في ذلك الوقت عيرهم نَجَتْ، وتمَّت نعمتهم، وأموالهم متكاثرة، وهم في الموضع الذي هو أحسن من موضعكم، ومع هذا كله فقد نصركم الله عليهم؛ لأن الله لما أرسل المطر المتقدّم في قوله: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ} [الأنفال: الآية 11] كانت العدوة القصوى طيناً ووحلاً، وكانت العدوة الدنيا رَمْلها متلبِّد تمشي عليه الأقدام بخفة، فكان هذا أنسب، ولذا قال: {أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ} [الأنفال: الآية 42] ثم قال في حكمته وقع هذا ونزل هذا الفرقان وأنتم على هذه الحالة تكادون أن تجتمعوا على غير ميعاد؛ لأنه لو تواعدتم وضرب بعضكم لبعض أجلاً وميعاداً لاختلفتم في الميعاد لو كنتم في هذا العدد من الضعف وكان بينكم وبينهم موعد سابق لجبنتم ولفشلتم عنهم، ولما تجرأتم على الإقدام عليهم، ولو كنتم مستعدّين وعندكم جَمْعٌ قَوِيّ لفشلوا وجبنوا ولم يَتَجَرَّءُوا عليكم، فجمعكم الله بغير ميعاد لحكمته (جل وعلا)؛ لأن غزوة بدر شيء جعله الله (جل وعلا) بقدرته لم تَتَسَنَّ أسبابه، إلا أن الله (جل وعلا) سبّبها، ولذا قال: {وَلَوْ تَوَاعَدتَّمْ} أي: واعد بعضكم بعضاً في الموضع الذي تلتقون فيه والمكان الذي تلتقون فيه، {لاَخْتَلَفْتُمْ فِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015