الأحزاب في غزوة الخندق لما جاء الكفار في عَددهم وعُددهم وحاصروا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالمدينة -هذه حرسها الله- وحاصروهم ذلك الحصار العَسْكَرِي التاريخي العَظِيم الذي نَوَّه اللهُ بِشَأْنِهِ، وبَيَّنَ شِدَّتَهُ وعظمه في سورة الأحزاب في قوله: {إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً (11)} [الأحزاب: الآيتان 10 - 11] هذا الحصار العظيم جاء وعدد الكفار ضخم، وعُددهم قوة، وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في ضعف وقلة من المال والسلاح، وفي جوع، حتى إن في غزوة الخندق وسيد الخلق (صلوات الله وسلامه عليه) كما يذكره المؤرخون والأخباريون وغيرهم يشد حزامه على الحجارة مِنْ شِدَّةِ الجُوعِ، وهم في ذلك الوقت الناس جميعاً مقاطعوهم سياسيّاً واقتصاديّاً، ليس بينهم وبين أحد من أهل الأرض علاقات اقتصادية، ولا علاقات سياسية، آخر قوم كانت بينهم وبينهم عهود: يهود بني قريظة، فلما نزل الأحزاب من فوقهم ومن أسفل منهم وحاصَرُوهم هذا الحصار العسكري التاريخي العظيم المنوَّه عنه في القرآن، في ذلك الوقت غدر بنو قريظة ونبذوا العهود وصاروا مع الكفار، فلم يَبْقَ لهم تحت أديم السماء صديق ولا مُعِين إلا الله (جل وعلا) وحده، ولما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن عبادة وسعد بن معاذ (رضي الله عنهما) إلى بني قريظة يعرف خبرهما هل هما على عهودهما أو نقضوا العهود وصاروا مع المشركين؟ قال لهم (صلوات الله وسلامه عليه): «إِنْ وَجَدْتُمُ الْقَوْمَ نَقَضُوا العُهُودَ فَكُنُّوا لِي وَلاَ تُصَرِّحُوا بِإِشَارَةٍ نَفْهَمُهَا وَلاَ يَفْهَمُهَا غَيْرِي»؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يخاف أن يداخل الناس شدة الجبن والجزع؛

طور بواسطة نورين ميديا © 2015