إذا مِتُّ فادفنِّي إلى جَنْبِ كَرْمَةٍ ... تُرَوِّي عِظَامي بالمَمَاتِ عُروقُها ...
ولا تَدْفننّي بالفَلاةِ فإنَّني ... أَخَافُ إِذَا مَا مِتُّ ألاَّ أَذُوقُها
فإنه يعلم أنه إذا مات ليس شاربًا الخمر بعد موته، فمعنى (أخاف) أي: أعلم. كما هو ظاهر. وهذا معنى قوله: {تَضَرُّعًا وَخِيفَةً}.
{وَاذْكُر رَّبَّكَ} ذِكْرَيْن، أمَّا الذكر النفساني فهذا الذي يكون في نفسك لا يعلمه منك إلا ربك، من أن تتفكر في عَظَمِتِه وسلطانه وجبروته وصفاته وعقابه وثوابه متضرِّعًا خائفًا منه (جلّ وعلا). وهذا النوع من الذكر القلبي عظيم جدًّا.
الثاني: ذكر لساني، وقد علمهم (جلّ وعلا) آداب الذكر اللساني، وأنهم لا يرفعوا صوته جدًّا ولا يُخافتوا به جدًّا، كما قال: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً} [الإسراء: آية 110] والمخافتة: الإسرار الشديد. وقال هنا: {وَدُونَ الْجَهْرِ} أي: واذكر ربك بالقول دون الجهر، لا تجهر به وترفع صوتك جدًّا؛ لأن رفع الصوت الكثير بالدعاء وبالأذكار لا ينبغي. والله (جلّ وعلا) يُعَلِّمُ نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن لا يرفع صوته به جدًّا {وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ} يعني: دون الجهر وفوق الإسرار: المخافتة، لا تجعله سرًّا جدًّا كالمخافتة، ولا تجعله جهرًا جدًّا بل سبيلاً بين ذلك كما قال: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً} [الإسراء: آية 110].
وقوله: {بِالْغُدُوِّ} الغدو: قال بعض العلماء: هو مفرد مصدر غدا غدوًا. وقال بعض العلماء: هو جمع (غُدوة) (?).