إلا أن هذا وإن كان قد يكون سببًا لتمكن بعض السفلة من الفاحشة، فمصلحة اجتماع الرجال والنساء في البلد الواحد متعاونين على دينهم ودنياهم أرجح فأُلغيت من أجلها هذه المفسدة، فلم يقل أحد من العلماء أبدًا: إنه يجب أن يُعزل جميع مَنْ فِي البلد من النساء ويُجعلن وحدهن ليس معهن رجل وتجعل عليهن حصون من حديد قوية، وأبواب من حديد، ومفاتح من حديد، عند رجل ذي شيبة مأمون معروف بالتقى!! لم يقل أحد هذا!! والحاصل أن المفاسد الصغيرة المرجوحة مُلغاة لدى المصالح العامة الكبرى كما هو معروف في محله.

وهذه نتف قليلة أشرنا بها إلى أن تشريع خالق هذا الكون، ونور هذا القرآن العظيم هو العدل الكامل، والإنصاف التام، والحكمة البالغة {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: آية 9] فما يقوله الكفرة والملاحدة ومن قلدهم من الخفافيش لا ينبغي لأحد أن يصغي إليه، ولا أن يبالي به.

ومعنى قوله جل وعلا: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} أي: جعل من تلك النفس الواحدة التي هي آدم. وقوله: {مِنْهَا} إنما أنث الضمير نظرًا إلى تأنيث النفس، والتأنيث اللفظي قد تجري به أحكام التأنيث ومنه قول الشاعر (?):

أبوكَ خَليفةٌ ولدتْه أُخرى ... وأنتَ خليفةٌ ذاكَ الكمالُ

وقوله: {لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} جاء بالضمير مذكرًا {لِيَسْكُنَ} هو، أي: آدم المُعبر عنه بالنفس الواحدة {إِلَيْهَا} أي: إلى تلك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015