لا يخفى، وهذا معروف في الأصول (?)، ومن ذلك أن الكفار إن أسروا بعض أسارى المسلمين ففداهم المسلمون فإن فداء الأسارى من الكفار وإعطائهم المال هو مفسدة في الجملة، إلا أن مصلحة إنقاذ المسلمين منهم أرجح من هذه المفسدة؛ ولأجل ذلك أطبق جميع العلماء على جواز غرس شجر العنب.
وانْظُرْ تَدَلِّي دَوَالي العِنَبِ ... في كُلِّ مَشْرقٍ وكلِّ مَغْربِ (?)
مع أنها تعصر منها الخمر التي هي أم الخبائث، ولكن لما كانت مصلحة وجود العنب والزبيب في جميع أقطار الدنيا مصلحة عامة راجحة، وكون العنب قد يعصر منه بعض السفلة خمرًا، فهذه مفسدة مرجوحة ألغاها الشرع في جنب تلك المصلحة الكبرى العظمى. وكذلك مساكنة الرجال والنساء في البلد الواحد؛ لأن مساكنة الرجال والنساء في البلد الواحد يرمقون هذا في بيته معه زوجاته وبناته وأخواته، وهذا لصيق له، وعنده أيضًا بيته فيه بناته وزوجاته وأخواته، هذا -وهو وجود الجنسين الرجال والنساء في البلد الواحد - قد يكون سببًا للزنا، فإن الناس المختلطة في المحل الواحد قد يكون اختلاطها في البلد الواحد ذريعة إلى الزنا فينظر الرجل فترمي إليه المرأة من الغرفة ورقة فيها وعد، أو يكلمها من فوق السطح كما كان نصر بن حجاج السلمي يقول (?):
ليْتَني في المُؤَذنينَ نَهَارا ... إنَّهم يَنْظُرونَ مَنْ في السطوحِ
فيُشيرونَ أوْ يُشارُ إليهم ... حَبَّذا كُلُّ ذَاتِ دلٍّ مَليحِ