كرامة ولطفًا. ومنه قول إبراهيم: {سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} [مريم: آية 47] والذين ذكروا هذا القول زعموا أن كفار مكة قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ليس منا فخذ إلا بينك وبينها قرابة؛ فلأجل القرابة التي بيننا وبينك أَسِرّ لنا الوقت الذي تقوم فيه القيامة، أَسِرَّهُ إلينا عن الناس. فأنزل الله الآية (?). وعلى هذا القول ففي الآية تقديم وتأخير {يَسْأَلُونَكَ} عنها، عن وقت رُسُوِّها {كَأَنَّكَ حَفِيٌّ} وكأنك صديق لهم وقريب لهم لتخبرهم بما لم تخبر به الناس. هذا القول قاله جماعة من العلماء. وأظهر القولين: أن المراد بالحفيّ هنا: الذي يستحفي السؤال ويتقصيه (?)، العرب تقول: فلان يستحفي السؤال، معناها: يبالغ في السؤال عن الأمر ويتقصاه حتى يعلم حقيقته. يعني: {يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا} أي: مبالِغ في تقصّي أخبارها ممن عنده خبرها حتى تحققت جميع أخبارها والأمر بخلاف ذلك. والعرب تقول: فلان حفيّ: أي: كثير السؤال عن هذا الشيء، يتقصَّى السؤال عنه حتى يعرفه، وهو معنى معروف في كلام العرب، ومنه قول الأعشى (?):
فإنْ تسْأَلي عَنِّي فيا رُبَّ سَائِلٍ ... حَفيٍّ عن الأَعشَى به حيثُ أَصْعَدَا
والوجهان متقاربان، والأخير أقرب. وهذا معنى قوله: {كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا}.
{قُلْ} لهم يا نبي الله {إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ} كَرَّرَ ردَّ علمها إلى الله ليُعْلِم الخلق أنها لا يعلمها إلا الله.