العالم، فبين في ذلك اليوم أَنَّ الجِبَال تُنزع من الأرض وتُطَيَّر بين السماء والأرض، وهو قوله: {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ} [النبأ: آية 20] وقوله: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً} [الكهف: آية 47] وقوله: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} أي: في ذلك اليوم بعد أن تُنزع من الأرض وتُسير بين السماء والأرض.

وما يزعمه بعض من لا علم له بأن ذلك في دار الدنيا، وأن الجبال سائرة في دورة الأرض، فهو تحريف لكتاب الله وتفسير له بغير معناه، وصاحبه سلخ آخر الآية من أولها؛ لأن أول الآية: {وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ} ثم قال: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً} [النمل: الآيتان 87، 88] أي: ويوم ينفخ في الصور فيفزع من في السماوات والأرض {وَتَرَى الْجِبَالَ} في ذلك اليوم {تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ} [النمل: آية 88] ومرورها ذلك اليوم هو سيرها المعبَّر عنه بقوله: {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (20)} [النبأ: آية 20] وقوله: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً} [الكهف: آية 47] ثم إنّ رب السماوات والأرض يطحن تلك الجبال بقوته، فقساوة الجبال وشدتها عنده لا شيء لعظمته وكمال قدرته فيطحنها (جل وعلا) ويفتتها؛ وبعد تفتيتها مرّة شُبهت بالبسيسة - والبسيسة: دقيق ملتوت بسمن - وهو قوله: {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5)} [الواقعة: آية 5] أي: فُتت حتى صارت كالبسيسة. وتارة شبهها في لينها وانتزاع القسوة منها بالعهن المنفوش، كقوله: {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ} [القارعة: آية 5]. وتارة شبّهها بالرمل الليّن المتهايل في قوله: {وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَّهِيلاً} [المزمل: آية 14]. ثم إن الله (جل وعلا) يصيرها في آخر أمرها سرابًا كما قال: {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015