بأحق الأحاديث بأن يُؤْمَنَ به، وأن يُصدق، وأن يُعظم، وأن يُعمل به، إذا لم يؤمنوا به فبأي حديث آخر يؤمنون؟! والمعنى: أنَّ مَنْ تَرَكَ الإيمان بما هو أحق شيء بأن يُؤْمَن به لا يؤمن بشيء أبدًا؛ إذ لو كانوا يؤمنون بشيء لآمنوا بهذا القرآن. فهو أسلوب عربي معروف، إذا كان الشيء أولى من غيره بالمسألة يُقال: فبأي شيء بعد هذا تفعل؟ إذا لمْ تفعله بأحق شيء فبأي شيء غيره تفعل؟! كما هو معروف في كلام العرب، ومن هذا المعنى قول الأعشى (?):
صَدَّتْ هُريرةُ عنَّا ما تُكلمُنا ... جَهْلاً بأُمّ خُليدٍ حَبْلَ مَنْ تَصِلُ
يعني: إذا لم تصل حبالنا ونحن أكرم الناس وأحقها بوصل الحبال فمن تصل حبله بعدنا؟! وهذا أسلوب عربي معروف.
والله (جل وعلا) قد سمى كتابه حديثًا؛ لأنه كلام رب العالمين {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا} [الزمر: آية 23] ولذا قال هنا: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: آية 185].
ثم قال: {مَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ} (مَنْ) شرطية، ويضلله الله: يصرف إرادته وقدرته بإرادته وقدرته إلى طريق النار عن طريق الجنة والعياذ بالله.
{فَلاَ هَادِيَ لَهُ} [الأعراف: آية 186] ليس أحد يهديه بعد الله {وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شيئًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: آية 41] {إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ} [النحل: آية 37] {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ} [القصص: آية 56] فَمَنْ هداه الله لا مضل له، ومن أضله الله