وهذه الآية قد استدل بها علماء الأصول على أن صيغة الأمر تدل على الفور لا على التراخي (?)، كما رُوي عن الشافعي (رحمه الله)؛ لأن الله أمرهم بالنظر في ملكوته ليستدلوا على أن صانع هذا الكون واحد (جل وعلا)، وأنه المعبود وحده، وأنه يجب أن يُطاع وتُصدق رسله وتُمتثل أوامره. قال: {قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [يونس: آية 101] ثم قال: {أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [الأعراف: آية 185] وهددهم باحتمال اقتراب آجالهم خوف أن يفاجئهم الموت قبل أن ينظروا فيصيروا إلى النار. ولا شك أن هذه الآية تدل على أن أوامر الله ينبغي أن تكون على الفور وتُمتثل بسرعة؛ لأن الإنسان عسى أن يكون قد اقترب أجله فيخترمه الموت قبل أن يمتثل، فاستدلال علماء الأصول بهذه الآية الكريمة على اقتضاء الأمر الفور استدلال صحيح وواقع موقعه، وقد دلت على ذلك اللغة أيضًا قال علماء العربية: لو قال السيد لعبده: (اسقني ماء). ثم إن العبد توانى وأبطأ فأدبه سيده فليس للعبد أن يقول: صيغة الأمر في قولك: (اسقني ماء) لا تقتضي الفور، وإنما هي على التراخي، وكنت متراخيًا في الامتثال؛ لأن الصيغة كذلك أفادت!! بل اللغة العربية تقتضي الفور كما دلت عليه هذه الآية. وهذا معنى قوله: {وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ}.
ثم قال: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} إذا لم يؤمنوا بهذا القرآن العظيم مع وضوح أدلته، واتضاح معجزته، وكرامة ما يدعو إليه من توحيد الله ومكارم الأخلاق والأفعال الحسنة، إذا كانوا لمْ يؤمنوا بهذا {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ} أي: بأي حديث غيره {يُؤْمِنُونَ} إذا لم يؤمنوا