مُلكًا لا ينفذ، ربح منها الحور العين والجنات والولدان، ومجاورة رب غير غضبان، والنظر إلى وجه الله الكريم. وقد سمى الله تحريك رأس هذا المال معه (جل وعلا) على الوجه الذي ذكرنا سمّاه (بيعًا) وسَمَّاهُ (شِرَاءً)، وسَمَّاهُ (تجارة)، وسماه (قَرْضًا)؛ لأنّ صاحبه حرّك رأس ماله -وهو أيام عمره - تحريكًا حسنًا لائقًا؛ ولذا قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} الآية [الصف: الآيتان 10، 11].
فصرح بأن ذلك تجارة مع الله، وقال جل وعلا: {يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ} [فاطر: آية 29] وقال جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ} إلى قوله: {فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: آية 111].
وقال جل وعلا: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} [البقرة: آية 245] فإذا كان صاحب رأس هذا المال المسكين رجلاً أحمق لا يعرف حقائق الأشياء، ولمْ يَتَنَوَّر باطنه بنور الوحي، لمْ يعرف قيمة رأس هذا المال، ولا قَدْرَ هَذِهِ الجواهر التي أعطاه الله فضيعها في قال وقيل، ولم يكتسب منها شيئًا حتى ينتهي الأجل المحدد له فيُجر إلى القبر وهو صفر الكفين، والآخرة أيها الإخوان دار لا تصلح للمفاليس، لا تصلح للفقراء؛ لأن ليس فيها إرفاق، ولا عارية، ولا صدقة، ولا خلة، ليس فيها للإنسان إلا ما قَدَّمَهُ مِنْ عَمَلِهِ، فَلا يَنْبَغِي للإنسان أن يقدم عليها مُفْلِسًا، فيجب على المسلمين كلاًّ أن يحترموا رأس هذا المال (?).
إذا كان رأسُ المالِ عمركَ فاحتَرِزْ ... عَلَيْهِ مِنَ الإِنْفَاقِ في غَيْرِ وَاجِبِ