ذكرنا في هذه الدروس مرارًا أنه جرت عادة بعض العلماء في أن يضربوا له مثلين يبين بهما حقيقته (?):

المثل الأول: قالوا: إن كل إنسان معمر أعطاه الله (جل وعلا) رأس مال، ورأس هذا المال هو الجواهر التي لا يزنها في الدنيا شيء، ولا يقوم مقامها شيء، وهي رأس مال كل إنسان. ونعني بهذه الجواهر: ساعات العمر وأيَّامه؛ لأن رأس مال الإنسان هو ساعات عمره وأيامه، وهذا هو أنفس شيء وأعظم شيء يُعطى للإنسان، وهو رأس ماله، وكما أن الله لما جَعَلَهُ رأس ماله جعله أخا الرسول أيضًا في إقامة الحجة عليه به حيث قال: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر: آية 37] فإذا كان الإنسان المُعمر -سواء عُمِّر تعميرًا طويلاً أو غيره كما قال تعالى: {وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ} [فاطر: آية 11] فإن كان هذا المُعمر- حاذقًا لبقًا يعرف كيف يحرك رؤوس الأموال، وكيف يستفيد منها، حرك رأس هذا المال -أعني ساعات عمره وأيامه حركها- فيما يرضي الله، فراقب اللحظات والأيام والليالي والدقائق والثواني لئلا يضيع شيء منها في غير طاعة الله، فنظر الأوقات التي تتوجه فيها أوامر من ربه -كأوقات الصلاة، وأوقات الحج، وغير ذلك من المطلوبات التي لها أوقات تتوجه عند وجودها- فقام لله بذلك أحسن قيام، ثم إنه في الأوقات التي لا تتوجه بها وظائف من رب العالمين، وأوامر معينة يكفُّ شرَّه ويخاف الله (جل وعلا) ويستكثر من الخير ما استطاع، فإذا حرك هذا رأس هذا المال هذا التحريك العظيم وتَجِر مع رب العالمين هذه التجارة الرابحة ربح منها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015