بمثل هذا، منها حديث عمران بن حصين المتفق عليه المشهور أنهم لما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرهم أن الأمر قُضي وفُرغ منه قالوا له: ففيم العمل؟ أفلا نتكل على كتابنا؟ فقال لهم صلى الله عليه وسلم: «اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ» (?) فالله (جل وعلا) لا يقع في ملكه شيء إلا بمشيئته، يَصْرف قُدر قَوْمٍ وإراداتهم إلى ما هو أليق بهم، ويَصْرف قُدر قوم وإراداتهم إلى ما هو أليق بهم فيعمل هؤلاء بعمل أهل الجنة، وهؤلاء بعمل أهل النار، وإنما كان ذلك من حكمته (جل وعلا) لتظهر بذلك أسرار أسمائه وصفاته في خلقه؛ لأنه لو لم يصرف قدرة قوم ومشيئتهم إلى ما لا يرضيه حتى يعذبهم لم يظهر بطشه وقوته وشدة نكاله التي تستوجب الخوف منه، فخلق قومًا فَصَرَفَ قُدرهم وإراداتهم لما يستوجبون به النار ليظهر بذلك سر أسمائه وصفاته، من جبروته وقوَّتِهِ وبطشه وشدة عذابه ليخافه خلقه، وصَرَفَ قُدَرَ قوم وإراداتهم إلى ما يستوجبون به جنته ليظهر بذلك أسرار بعض أسمائه وصفاته من رحمته ولطفه وعدله (جل وعلا) وغير ذلك؛ ولذا قال: {مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (178)} [الأعراف: آية 178] من أضله الله فقد ضل (والعياذ بالله)، وكل الناس ضال إلا مَنْ هَدَاهُ الله، ولا مهتد إلا مَنْ هَدَاه الله.
وقد قدمنا في هذه الدروس مرارًا (?) أن لفظ الضلال يطلق في القرآن العظيم وفي اللغة العربية إطلاقات مشهورة معروفة، من أشهرها ثلاثة إطلاقات معروفة في القرآن وفي كلام العرب: