يأكلون بها، فكتموا وغيّروا صفاته حرصًا على ما كانوا يتعاطونه برئاستهم الدينية -قبّحهم الله- هذا معنى قوله: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأدْنَى}.
العرض: حطام الدنيا الزائل، سُمِّي عرضًا؛ لأنه شيء عارض لا بقاء له. والإشارة في قوله: {هَذَا} إلى متاع الدنيا وحطامها الزائل. و {الأدْنَى} لدنوه أو لدناءته ورذالته وعدم أهميته. يعني: يأخذون هذا العرض مُعْتَاضين منه العمل بكتاب الله وتحقيق ما أنزل الله، فهم يأكلون الرُّشَا ليُغَيِّرُوا أحْكَامَ الله ولا يقيموا حُكْمَه في كتابه والعياذ بالله.
وهذه الآية وإن كانت في اليهود فكُلّ مَنْ فَعَلَ فِعْلَهُمْ فهو أخوهم يناله من وعيدها وعذابها ما نالهم. فيجب على المسلم إذا كان في منصب يوصل فيه الحق لصاحبه بإنابة من بسط الله يده ألاّ يغير أحكام الله ويأخذ الرُّشَا بدلاً منها (?)، فإنه إن أخذ الرشوة وغيّر وبدّل فهو أخو اليهود، وهو من هذا الخلْف السيئ القبيح. وأقبح شيء يأكله الإنسان هو الرُّشَا وما جرى مجراها من أنواع السحت؛ لأن السارق خيرٌ من المرتشي، لا شك أن السارق أخف شرًّا من المرتشي؛ لأن السارق يأخذ مال الناس بغير حق مع أنه عالم أنّ فعله خسيس وأنّه خبيث، ولا يدعي أبدًا أنّ فعله طيّب، بخلاف المرتشي -قبّحه الله- فإنه يأكل مال الناس بالباطل وهو يزعم أنّ هذا دين الله وشرعه الذي أنزل به رسله -والعياذ بالله- فمن أقبح المآكل وأخسها الرُّشَا.