الجَنَّةَ} إلى أن قال: {فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: آية 111] وَسَمَّاهُ (قَرْضًا) في قولِه: {مَّنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} [البقرة: آية 45] إلى غير ذلك. ومقصودُنا - أيها الإخوانُ - أن نُنَبِّهَكُمْ وأنفسَنا إلى مكانةِ العمرِ وَعِظَمِهَا، وأن مَنْ خَسِرَهُ خَسِرَ كُلَّ شيء، وأن مَنْ كان حَازِمًا في تحريكِه والعملِ فيه رَبِحَ كُلَّ شيءٍ كما لا يَخْفَى، فعلى هذا القولِ يكونُ خُسرانُ الإنسانِ في رأسِ مالِه الذي أعطاه اللَّهُ - وهو عمرُه إذا ضَيَّعَهُ، ولم يُبْقِ منه شيئًا - كان أَخْسَرَ الخاسرين، وإذا خَسِرَ هو رأسَ المالِ عُلِمَ أنه ليس هناك رِبْحٌ أبدًا كما هو معروفٌ.
وَاعْلَمُوا - أيها الإخوانُ - أن العمرَ كما أن اللَّهَ (جل وعلا) جعلَه رأسَ المالِ، وهو التجارةُ الرابحةُ مَنْ خَسِرَهَا خَسِرَ كُلَّ شيءٍ، فإنه مع ذلك جَعَلَهُ حُجَّةً على المعمَّر، فأعمارُكم كما أنها رؤوسُ أموالِكم، وأصلُ فوائدِكم، فكذلك هي حجةٌ عليكم؛ لأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ العمرَ مع الرسولِ لأَنَّ كُلاًّ منهما حُجةٌ على المعمِّر كالمرسلِ إليه، كما قال تعالى في العُمْرِ: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر: آية 37] فجاء بالعمرِ والرسولِ مُقْتَرِنِينَ؛ لأن الرسولَ يُنْذِرُكَ وَيَعِظُكَ، والعمرُ مهلةٌ تَقْدِرُ فيها أن تتداركَ ما فَاتَ وَتُصْلِحَ الخللَ، وتنيبَ إلى اللَّهِ، وترجعَ مِنْ ما يُسْخِطُهُ إلى ما يرضيه، فهذه الآيةُ العظيمةُ من عظامِ مواعظِ القرآنِ {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} احتجَّ به على أهلِ النارِ الذين لم يُحَرِّكُوا أعمارَهم في خَيْرٍ، ولم يَعْتَبِرُوا بها؛ ولذا قال: {فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ} [فاطر: آية 37] والعياذُ بالله جل وعلا. هذا أَحَدُ الْمَثَلَيْنِ الْمَضْرُوبَيْنِ، الذين جَعَلَهُمَا العلماءُ لهذا الخسرانِ.