العمرِ المعدودةِ، فَنَتَّجِرَ مع خالقِ السماواتِ والأرضِ فيها، فننظرَ ما يتوجهُ إلينا طولَ حياةِ العمرِ ودقائقِه من أوامرِ اللَّهِ ونواهِيه فنبادرَ بإرضاءِ خالقِ السماواتِ والأرضِ بامتثالِ ما أَمَرَ به واجتنابِ ما نَهَى عنه، وربُّنا (جل وعلا) يُعْطِينَا أرباحًا هائلةً بائنةً على هذا: يُسْكِنُنَا الجنةَ، وهي: زوجةٌ حسناءُ، وغرفةٌ عاليةٌ، ونهرٌ مُطَّرِدٌ، وشجرةٌ مثمرةٌ، وَمُلْكٌ لا ينفدُ أبدًا، فنربحُ رِبْحًا لا نفادَ له، وعافيةً لا كَدَرَ فيها، وحياةً لاَ موتَ بعدَها، وصحةً لا يخالطُها مرضٌ أبدًا، فَمَنْ حَرَّكَ رَأْسَ هذا المالِ على الوجهِ الكيِّسِ الصحيحِ مع رَبِّ العالمين رَبِحَ الأرباحَ الهائلةَ، فإنه يربحُ منه مجاورةَ ربِّ العالمين في دارِ كرامتِه، والنظرَ إلى وجهِه الكريمِ.
وإن كان صاحبُ رأسِ هذا المالِ - وهو ساعاتُ العمرِ ودقائقُه - كان رَجُلاً غيرَ عاقلٍ - يعنِي أخرقَ لا يَفْهَمُ الحقائقَ ولا يقدِّر قدرَ عمرِه - فإن المسكينَ يضيعُ هذه الأعلاقَ النفيسةَ، وهذه الجواهرَ العظيمةَ في قَالَ وقالوا، ولا يُرَاقِبُ ما يَتَوَجَّهُ إليه مِنْ قِبَلِ خالقِه بالامتثالِ والاجتهادِ فيضيعُها دائمًا، وربما صَرَفَهَا فيما لا يُرْضِي اللَّهَ من المعاصِي والملاهِي - والملائكةُ تكتبُ عليه - حتى ينقضيَ الوقتُ المحددُ فيذهب إلى القبرِ وهو مُفْلِسٌ - والعياذُ بالله - فعندَ ذلك يندمُ حيث لا ينفعُ الندمُ، فعلينا جميعًا، ما دَامَتِ الفرصةُ ممكنةً أن نعتبرَ في رأسِ هذا المالِ، وأن لاَ نُضَيِّعَهُ، ولا نكونَ حَمْقَى جهلاء، بل نعتبرُ به، ونتصرفُ مع اللَّهِ بتجارةٍ مُرْضِيَةٍ؛ لأن طاعتَنا لِلَّهِ وإثابتَه لنا سمَّاهُ في كتابِه: (تجارةً) (بيعًا) (شراءً) إلى غيرِ ذلك، قال: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} إلى آخِرِ الآيَاتِ [الصف: الآيتانِ 10، 11]، وقال: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ