الْمَثَلُ الثاني: ما ذَكَرَهُ بعضُ العلماءِ من أن الله (جل وعلا) خلقَ لكلِّ إنسانٍ كائنًا مَنْ كان - جَعَلَ له - مَنْزِلاً في الجنةِ ومنزلاً في النارِ، فكلُّ إنسانٍ له منزلٌ في الجنةِ وله منزلٌ في النارِ، فإذا أَدْخَلَ اللَّهُ أهلَ الجنةِ الجنةَ أَطْلَعَهُمْ على مساكنِهم في النارِ - لو أنهم كَفَرُوا وَعَصَوْا - لِتَزْدَادَ غبطتُهم وسرورُهم وفرحُهم بما هم فيه، فيقولُ الواحدُ منهم عند ذلك: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاَ أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف: آية 43] أي: إنه (جل وعلا) يُطْلِعُ أهلَ النارِ على منازلِهم في الجنةِ لو أنهم آمَنُوا وأطاعُوا لتزدادَ ندامتُهم وحسرتُهم - والعياذُ بالله - وعندَ ذلك يقولُ الواحدُ منهم: {لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [الزمر: آية 57] ثم إن الله (جل وعلا) يجعلُ منازلَ أهلِ الجنةِ في النارِ لأهلِ النارِ، ومنازلَ أهلِ النارِ في الجنةِ لأهلِ الجنةِ، وَمَنْ كانت معاملتُه أن استبدلَ منزلَ غيرِه في النارِ بمنزلتِه في الجنةِ فمعلومٌ أن صفقتَه صفقةٌ خاسرةٌ كما لا يَخْفَى، ومضمونُ هذا جاءَ في حديثٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، والظاهرُ أن سندَه لا بأسَ به، واللَّهُ تعالى أعلمُ (?).

هذانِ المثلانِ اللذانِ ضَرَبَهُمَا العلماءُ في الخسرانِ الذي أَقْسَمَ اللَّهُ أنه لا يَنْجُو منه أحدٌ إلا مَنِ اسْتَثْنَى في قولِه: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)} [العصر: الآيات 1 - 3] وبهذا تعرفونَ أن هذه السورةَ العظيمةَ؛ سورةَ العصرِ التي قال الإمامُ الشافعيُّ: «إنها لو لم يَنْزِلْ من القرآنِ إلا هي لَكَفَتْ» (?)؛ لاشتمالِها على جميعِ تشاريعِ الإسلامِ، بَيَّنَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015