وقد قَدَّمْنَا في هذه الدروسِ مِرَارًا معنَى (الخُسرانِ) وما ضَرَبَ العلماءُ له من الأمثالِ (?). فالخاسرونَ: جمعُ الخاسرِ، وأصلُ الخسرانِ في اللغةِ هو: ذهابُ بعضِ مالِ التاجرِ، كان يُرْزَأَ بشيءٍ من مالِه من ربحٍ كان أو رأسِ مالٍ، ولكن الخسرانَ أَقْسَمَ (?) اللَّهُ في كتابِه على أنه لا يُنَجَّى منه أحدٌ إلا بأمورٍ معينةٍ بَيَّنَهَا في سورةٍ عظيمةٍ من كتابِه وهي قولُه: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)} أي: إِنَّ كُلَّ إنسانٍ كائنًا مَنْ كان لَفِي خُسْرٍ {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)} فهؤلاء هم الذين يَخْرُجُونَ من هذا الْخُسْرَانِ.
وقد ضَرَبَ العلماءُ لهذا الخسرانِ مَثَلَيْنِ مَعْرُوفَيْنِ يعطيانِ موعظةً لطالبِ العلمِ وفكرةً صادقةً. قالوا: أحدُ هذين الْمَثَلَيْنِ: أن اللَّهَ تبارك وتعالى أَعْطَى كُلَّ نفسٍ رأسَ مالٍ، وأمرَها بالتجارةِ معَه فيه - ورأسُ هذا المالِ المذكورِ قد قَدَّمْنَا مرارًا في هذه الدروسِ بيانَه، وَكَرَّرْنَاهُ المرةَ بعدَ المرةِ - قَصْدًا - لِنَعِظَ به إخوانَنا المسلمين ونحاولَ نفعَهم بِلِينِ قلوبِهم على ضوءِ القرآنِ العظيمِ - قالوا: رأسُ المالِ هذا المذكورُ المُنَوَّهُ عنه: هو الجواهرُ النفيسةُ العظيمةُ الذي لا يوجدُ في الدنيا شيءٌ يُمَاثِلُهَا أبدًا، وهذه الجواهرُ النفيسةُ، والأعلاقُ العظيمةُ، هي - أيها الإخوانُ - هي ساعاتُ العمرِ ولحظاتُه، فهذا رأسُ مالِ الإنسانِ، وهو أَنْفَسُ شيءٍ يُعْطَاهُ الإنسانُ، وخالقُ السماواتِ والأرضِ يأمرُنا أن نتجرَ معه في رأسِ هذا المالِ، فَنُحَرِّكَ رأسَ هذا المالِ، وهي هذه اللحظاتُ والدقائقُ من ساعاتِ