وَقَفْتُ فَلَمَّا خِفْتُ ضَيَعَةَ مَوْقِفِي ... رَجَعْتُ كَضِرْغَامٍ هِزَبْرٍ أَبِي شِبْلِ (?)
أَمَّا (الغُنَى) بضمِّ الغينِ مع القصرِ فهو جمعُ غُنْيَةٍ، وَالْغُنْيَةُ: ما يقتنيه الرجلُ من المالِ لِيَسُدَّ به خلَّتَه وَفَقْرَهُ.
فهذا ما جاء من هذه المادةِ في اللغةِ العربيةِ، ومحلُّ الشاهدِ منه هنا أن العربَ تقولُ: «غَنِيَ بالمكانِ، يَغْنَى به غَنَاءً» على القياسِ، إذا أقامَ به.
والمعنَى: الذين كَذَّبُوا شعيبًا دَمَّرَهُمُ اللَّهُ وأهلكهم إهلاكًا مستأصلاً حتى كأنهم لم يُقِيمُوا في دارهم يومًا من الدهرِ أبدًا ولم يُوجَدُوا، والذي زَالَ زَوَالاً كُلِّيًّا تقولُ العربُ: كأنه لم يكن يومًا ما، كما قال أحدُ الجرهميين لَمَّا طَرَدَهُمُ الخزاعيونَ من مكةَ (?):
كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْحَجُونِ إِلَى الصَّفَا ... أَنِيسٌ وَلَمْ يَسْمُرْ بِمَكَّةَ سَامِرُ
كأن ذلك لم يُوجَدْ أصلاً. وهذا معنَى قولِه: {كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا} [الأعراف: آية 92] أي: كأنه. أي: الأمرُ والشأنُ لم يُقِيمُوا في دارهم أبدًا للهلاكِ المستأصلِ الذي دَمَّرَهُمْ.
ثم قال: {الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ} فَرَدَّ عليهم كَذِبَهُمْ ردًّا فصيحًا بليغًا، يعني: ليس الخاسرُ مَنِ اتَّبَعَ شُعَيْبًا ولكن مَنْ كَذَّبَ شعيبًا هم الخاسرونَ، وهذا معنَى قولِه: {الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ} والإتيانُ بالضميرِ بعدَ (كان) يدُلُّ على التوكيدِ.