وَقَعَ بينَهم بعضُ الحروبِ والقتلى فيما يذكره الأخباريون وأهلُ السِّيَرِ، فاستعانَ قُصَيٌّ بأخيه لأُمِّهِ سيدِ قضاعةَ، وكانت القتلى أكثرَ في خزاعةَ، ثم تَحَاكَمُوا إلى يَعْمَرَ الشَدَّاخِ (يعمر الكناني) الذي يقولُ فيه امرئُ القيسِ (?):

كِنَانِيَّةٌ بَانَتْ وَفِي الصَّدْرِ وُدُّهَا ... مُجَاوِرَةٌ غَسَّانَ وَالْحَيَّ يَعْمَرَا

وكان من حكامِ العربِ، فحكم بأن تُشْدَخَ دماءُ خزاعةَ، أي: تُهْدَرَ، وحكم بصحةِ البيعِ، وأن الكعبةَ لِقُصَيٍّ (?). فأخذَها قُصَيٌّ، وأخذَ الوظائفَ المشهورةَ، وأعطاها لبني عبدِ الدارِ في خبرٍ يَطُولُ.

والمقصودُ عندنا من هذا أن العمالقَ إنما سَكَنُوا مكةَ بعدَ أن نبعَ ماءُ زمزمَ لهاجرَ وإسماعيلَ، وهذا هو المعروفُ في التاريخِ. والمعروفُ أن عادًا هلكوا بأزمنةٍ طويلةٍ قبلَ وجودِ إبراهيمَ، وأن هودًا كان قبل إبراهيمَ، وهذا مما يُشَكِّكُ في أن هذه الأخبارَ السيريةَ ليست بصحيحةٍ كما هو معروفٌ، وَاللَّهُ تعالى أعلمُ. إلا أن المفسرينَ يذكرونَ القصةَ كما ذَكَرْنَا.

ومعنَى قولِه: {قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ} [الأعراف: آية 71] الرجسُ هنا العذابُ، قال بعضُهم: أصلُه من الارتجاسِ، وهو: الاضطرابُ؛ لأن الْمُعَذَّبَ يضطربُ من شدةِ العذابِ. والغضبُ: هو غضبُ اللهِ الذي حَلَّ بهم.

{أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} السلطانُ: الحجةُ الواضحةُ التي لا تتركُ في الحقِّ لَبْسًا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015