ذلك الكفر كامن في قلوبهم لا يزول، ومما يوضحه قوله في الأنفال {وَلَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ خَيْراً لاَّسْمَعَهُمْ} (خيراً) نكرة في سياق الشرط، فهي تعم. معناه: أنّ الله لا يعلم في قلوبهم خيراً أبداً في وقتٍ من الأوقات كائناً ما كان، ولا زمن من الأزمان. ثم قال على الفرض: {وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ} [الأنفال: آية 23]. فتبين أن ذلك الشر الذي عصوا به الرسل وتمردوا به على الله دائم لا يزول، فكان جزاؤه دائماً لا يزول، فتطابق الجزاء والعمل؛ ولذا قال تعالى: {جَزَآءً وِفَاقًا (26)} [النبأ: آية 26] أي: جزاءً موافقاً لأعمالهم.
وهذا معنى قوله: {أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الأعراف: آية 36] أعاذنا الله وإخواننا المسلمين منها.
فعلينا جميعاً في دار الدنيا أن نعمل العمل الذي يجنبنا النار، ونستعيذ بالله منها؛ لأنه لا قدرة لأحد على حر النار. وهذه النار التي هي كَلاَ شَيْءٍ بالنسبة إلى حَرِّ تِلْكَ النَّارِ إذا مسَّك منها لهب شديد، أو وقعت يدك على نارٍ عرفت شدة حرها، وأنك لا تطيق النار العظمى أبداً، كما قال تعالى في نار الدنيا: {نَحنُ جَعَلْناهَا تَذْكِرَةً} [الواقعة: آية 73] فمن صَلِيَ بِحَرِّهَا تَذَكَّرَ نَارَ الآخرة، وعلم أنه لا يطيقها، فعليه أن يتحرَّز منها، ويتباعد عن أسبابها التي تُقرِّب إليها في دار الدنيا ما دامت الفرصة ممكنة. أما الذي يعلم بالنار، وبِحَرِّ النار، وهو في دار الدنيا يعمل عمل النار الذي يؤدي إليها فهذا كالفراشة التي تسقط في النار وتحرق نفسها، لا عقل له ولا تذكُّر. فعلى المسلم أن يعتبر بحرِّ النار وبشدة النار، ويضع يده قريباً من حر