وهنالك تفسيرٌ غير ظاهر قال به جماعات من علماء التفسير: أن معنى كونها خالصة للمؤمنين أنَّ الله ينعِّمهم بها في الدنيا، وينعِّمهم في الآخرة أيضاً، ولم يحسبها عليهم، ولم ينقص أجورهم بتلك اللذات والطيبات من الرزق التي أكلوها في الدنيا (?)، وهذا مستبعد، والقول الأول هو الذي عليه الجمهور وهو معنى الآية إن شاء الله.
وهذا معنى قوله: {هِيَ} أي: الطيبات من الرزق والزينة {لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أي ويشاركهم فيها غيرهم من الكفار، لكنها يوم القيامة خالصة للمؤمنين لا يشاركهم فيها أحد، ويوضح هذا أن نبي الله إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لما قال الله له: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً} فلما قال الله له: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً} طلب الإمامة لذريته {قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي} فبين له الله أن الظالمين من ذريته غير المستقيمين المطيعين لا يعهد الله لهم بالإمامة، لأنهم لا يستحقونها حيث قال مجيباً له: {قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة: آية 124] فعرف إبراهيم أَنَّ ربَّه كأنه لامه في الجملة حيث طلب الإمامة لناس منهم من لا يصلح لها، كما قال الله لإبراهيم وإسحاق: {وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ} [الصافات: آية 113] ثم بعد ذلك لما أراد إبراهيم طلب الرزق خصه بالمؤمنين خوف أن يلام كالملامة الأولى وقال: {اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ} ثم قيَّد وقال: {مَنْءَامَنَ مِنْهُم بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ} فربه قال له: هذه في الدنيا لا تحتاج إلى القيد {قَالَ وَمَن كَفَرَ} فيأكل من الدنيا أيضاً مع المؤمن {فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [البقرة: آية 126] وهذا معنى قوله: