قاس لهم هذا الولد على آدم بجامع أن آدم وُلِدَ ولم يكن له أم ولا أب، خُلق ولم يكن له أم ولا أب، فالذي خَلَقَ آدَمَ ولمْ يَكُنْ له أب ولا أم فهو قادِرٌ على أن يخلق عيسى من أُمٍّ ولم يكن له أب، كما خلق حواء من ضلع رجل. فالله (جل وعلا) جعل خلق الإنسان قسمة رباعية: بعضٌ خلقه لا من ذكر ولا من أنثى وهو آدم، وبعض خلقه من أنثى دون ذكر وهو عيسى ابن مريم، وبعض خلقه من ذكر دون أنثى وهي حواء؛ لأن الله يقول: {خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} أي: آدم {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [النساء: آية 1] والقسم الرابع: خلقه من ذكر وأنثى فقاس عيسى على آدم بجامع أن الذي أوجد آدم بقدرته يوجد عيسى بقدرته. وأمثال هذا كثيرة.
وكذلك قاس الموجودين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم على الأمم الماضية، وقال لهم: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} ثم بين إلحاق النظير بالنظير فقال: {وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا} [محمد: آية 10] فكأن الموجودين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فرع، والكفار المتقدمون أصل، والحكم الذي عمهم المهدد به: العذاب والهلاك، والعلة الجامعة: تكذيب الرسل، والتمرد على رب العالمين. وأمثال هذا في القرآن كثيرة.
وكذلك ما يسمونه: (قياس العلة) - وهو الجمع بين الأصل والفرع بدليل العلة (?) - يكثر في القرآن جدّاً، كقوله جل وعلا: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى} [فصلت: آية 39] فقاس إحياء الموتى الذي ينكره منكرو البعث على إحياء الأرض المشاهد؛ لأن كلاًّ منهما إحياء.