الجواهر التي هي رأس ماله هي ساعات عمره، أيام عمره وشُهُوره ولياليه وأعوامه، فهذا رأس مال الإنسان. فاعلم أيها الإنسان أن عمرك هو رأس مالك (?):
إِذَا كَانَ رَأْسُ المَالِ عُمْرَكَ فَاحْتَرِزْ ... عَلَيْهِ مِنَ الإنْفَاقِ في غَيْرِ وَاجِبِ
فإن كان صاحب رأس هذا المال رجلاً متقدماً حقيقة لَبِقاً عارفاً حاذقاً اتَّجَرَ مَعَ رَبِّه برأس هذا المال، فنظر ساعات العمر، فكل وقت منها يتوجه فيه أمر من خالق السماوات والأرض، كأوقات الصلوات، وأوقات الصوم، والعبادات المؤقتة، يبادر إلى مرضاة خالقه، فيتَّجر مع خالقه (جل وعلا) ويُحرِّك رأس المال مع خَيْر من يتجر معه، وهو رب السماوات والأرض (جل وعلا) ويكثر من طاعات رَبِّه ومرضاة رَبِّهِ، وينظر كل شيء حَرَّمَهُ خالقه أو نهى عنه فيجتنبه ويتباعد منه، وهذا هو تحريكه رأس المال وتجارته مع رب العالمين؛ ولذا سمى الله هذا العمل الصالح وإنفاق العمر فيما يُرضي الله، سماه في آية: تجارة، وفي آية: بيعاً، وفي آية: شراء، وفي آية: قرضاً، والكل بمعنى واحد. قال: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً} [البقرة: آية 245] فسمى العمل الصالح قرضاً.
وقال: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِالله وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11)} ثم بين عوض هذا التاجر: {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} إلى آخر الآيات [الصف: الآيات 10 - 12]، وقد سماه بيعاً وشراءً في قوله: {إِنَّ الله اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ} [التوبة: آية 111] وقال: {فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: آية 111]